17 Sep 2005
واحدة من محاور النقاش الأساسية بين المؤمنين بوجود الخالق والملحدين هي منشأ المادة، الملحدون يرون بأن القوانين العلمية الطبيعية (الفيزيائية) التي نعرفها كافية لإدارة المادة لايجاد كل ما في الكون، بما في ذلك البشر وسائر الكائنات الحية، والسؤال الذي يطرحه عليهم المؤمنون هو: من أين أتت هذه المادة أصلا؟ ومن أين أتت قوانين الطبيعة؟ تكون إجابة الملحدين هي أن المادة وقوانين الطبيعة موجودين بذاتهما منذ الأزل، ولم يأتيا من شيء ما.
دعنا نضع هذا الحوار جانبا للحظات ونحاول أن نراجع قليلا من الفيزياء.
أنت تعلم بأن قانون ثبات الطاقة ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وإنما تتحول من صورة إلى أخرى، وقد يجعلك ذلك تتسائل، إذا كان لدينا كمية من الوقود تحتوي على طاقة كامنة، وقمنا بوضع هذا الوقود في خزان السيارة وشغلنا محرك السيارة وقدناها لمسافة ما، فإن الوقود سينفذ، فأين ذهبت تلك الطاقة التي كانت في الوقود؟ والإجابة هي أن هذه الطاقة لم تفنى، وإنما تحولت إلى صورة أخرى هي الطاقة الحرارية، بعضها في محرك السيارة، وبعضها في الكابح لإيقاف السيارة، وبعضها أثناء احتكاك أجزاء السيارة بجزيئات الهواء والاسفلت المحيطة بها، كل هذه الطاقة الحرارية خرجت من السيارة إلى الوسط المحيط الذي هو الهواء، والمفترض بناءا على قوانين الاتزان الحراري أن هذه الطاقة ستنتقل من المكان الأعلى حرارة إلى المكان الأقل حرارة إلى أن تتوزع الحرارة بالكامل.
هذه الطاقة، على الرغم من أنها لم تفنى، إلا أنها تحولت إلى طاقة غير متوفرة لنا، ولا توجد طريقة لاسترجاع هذه الطاقة واعادة استخدامها، فليست هنالك أية قوانين فيزيائية تحقق العكس، أي عودة الطاقة الحرارية التي تبددت في أرجاء الكون وجمعها في مكان واحد للاستفادة منها مرة أخرى، ولذلك فإن هذا هو مآل الطاقة كلّها التي في الكون، طال الزمن أو قصر، وهو أن تتحول من طاقة متوفرة ومفيدة إلى طاقة مبعثرة أو منعدمة النظام، وهذا هو المقصود من قانون الثاني للديناميكا الحرارية (The Second Law of Thermodynamics) الذي ينص على أن المسارات في النظام المغلق تسير في محصلتها باتجاه العشوائية وانعدام النظام.
إذا كان هنالك شيء حار وشيء بارد فإن الحرارة ستنتقل من الحار إلى البارد إلى أن يصبحان متساويان في درجة الحرارة، وعندما يصلان إلى درجة الحرارة نفسها فإن انتقال الطاقة سيتوقف ولن يحدث أي شيء، وهنا يقال عن النظام بأنه ميت حراريّا، وهذا هو ما سيحدث للكون كله، وعندها يتوقف كل شيء عن العمل، هذه حقيقة علمية.
بعض المؤمنين بوجود الخالق، حاولوا استخدام هذا القانون لاثبات وجود الله، على أساس أن الكون يحتوي حاليا على النظام، فمن أين أتى ذلك إذا كانت القوانين الكونية تؤدي إلى بعثرة كل شيء؟ لكن ذلك في الواقع ليس دليل قويا على وجود الخالق، والإجابة السهلة التي يقدمها الملحدين على ذلك هي أن النظام من الممكن أن ينشأ كخطوة وسطية باتجاه انعدام النظام، اشعال الجمرة مثلا، ولو أنه سيؤدي في النهاية إلى فقدان الطاقة الكامنة بها إلا أن ذلك لا يمنعها من اعطاء النور والدفئ أثناء ذلك، فذلك ليس هو الدليل الذي نريده على الملحدين.
الدليل الذي نريده في الواقع مرتبط بالخلاف الذي ذكرته في بداية المقال، حين قلت بأن المؤمنين يعتقدون بأن كل هذه المادة التي في الكون والقوانين الطبيعية التي تحكم هذه المادة لم تكن موجودة، وانما أوجدها الخالق، بيما يرى الملحدون بأنها موجودة بذاتها منذ الأزل، وهنا تكمن المشكلة في كلامهم، فكلامهم هذا يتناقض مع ما توصلنا إليه من القانون الثاني للديناميكا الحرارية، أي أن للكون عمرا محددا سيفنى بعده.
فإذا كان الكون الذي نعرفه الآن موجودا منذ الأزل كما يزعمون، فذلك يعني بأنه من المفترض أنه مر عليه عدد كاف من السنوات أدى إلى وصوله إلى مرحلة الموت الحراري، لكن الحقيقة هي أن الكون لم يصل بعد إلى هذه المرحلة، ولا زال هنالك الكثير من النظام في الكون، وذلك يعني بأن الكون لم يصل بعد بعمره إلى عدد كاف من السنوات يؤدي إلى نهايته، فما بالك بأن يكون عمر هذا الكون مالانهاية؟ هذا أمر مستحيل بالطبع، لذا فإن الكون الذي نعيش فيه، وجد منذ عدد محدد من السنوات، ولم يكن موجودا قبل ذلك.
فما الذي أوجد هذا الكون؟ نحن نعتقد بأنه نتاج الله عزوجل، ولدينا الكثير من الأدلة الأخرى على ذلك، لكن المهم والذي نستطيع أن نستخلصه من هذه المقالة وحدها، هو أنه مهما كان منشأ الكون، فإنه لا بد من أنه نشأ من شيء لا يخضع لقوانين الطبيعة التي نعرفها، وإلا لكان هو قد فنى بسبب موته حراريا، لكنه على العكس من ذلك موجود منذ الأزل وهو الذي أنشأ الكون، وهذا بحد ذاته نسف للملحدين الذين يرون بأن كل شيء يجب أن يكون خاضعا لقوانين الكون الذي نعيش فيه، وأن التجربة العلمية الخاضعة للقوانين الكونية هي الطريقة الوحيدة لاثبات أي شيء.