20 Jul 2006
الكثير من الشباب الذين تخرجوا من الثانوية العام هذا العام، وغيرهم من طلبة الثانوية الذين بدؤوا يفكرون فيما يريدون دراسته بعد الثانوية، يسألونني عن دراسة الطب: كيف ستكون؟ هل هي صعبة بالفعل؟ هل يغلب عليها الفهم أم الحفظ؟ هل هنالك ما يستحق دراسة الطب؟ وهل أنصحهم بدراستها؟
إذا كنت تريد المختصر الغير مفيد، فالإجابة على الأسئلة السابقة بالترتيب هي: صعبة، نعم، الحفظ، نعم، يعتمد، أما إذا كنت مهتما بالفعل بمعرفة التفاصيل فإليك هذه المقالة.
طبيعة طالب الطب
المتعة الحقيقية في دراسة الطب تأتي من أن تكون عاشقا للطب، بحيث أنك عندما تدرس الطب، فإنك تراه على أنه جزء من هويتك، فهو ليس مجرد درس تستطيع أن تخصص له وقتا محددا من اليوم، بل هو أمر يصبغ حياتك بأكملها، ويدخل في كل ساعة من ساعات يومك.
طلبة الطب من الكليات المختلفة في الدول المختلفة حول العالم عندما يجتمعون، فإنهم يتحدثون دائما عن الطب، ودراسة الطب، والأسئلة التي تطرح دائما هي ما هي المواد التي درستموها هذه السنة، ما الذي ستدرسونه في السنة القادمة، ما هو مقدار الوقت الذي تقضونه في المستشفيات، ما هي الأمور العملية التي قمتم بها إلى الآن، وهكذا.
طلبة الطب في الكلية والذين يداومون في مستشفيات وتخصصات مخلتفة، عندما يجتمعون في نهاية اليوم في قاعة المحاضرات، فإن حديثهم يكون عن الحالات التي رأوها في الصباح، خاصة النادرة والغريبة منها، ما هي السمات الرئيسية لتلك الحالات، ويتحدون بعضهم البعض في تشخيص تلك الحالات ومعرفة العلاج اللازم لها.
طالب الطب يحب أن يراه أصدقاءه خارج الكلية على أنه الأعرف في المجال الطبي، وعندما يسألونه سؤالا لا يعرف إجابته فإنه يخرج ويبحث عن الإجابة إلى أن يجدها ويعطيها لهم، فهو لا يستطيع أن يرتاح إذا كانت هنالك أمور كثيرة لا يعرفها.
الكثير من طلبة الطب يفرحون عندما تقرر الكلية أنهم بحاجة لإعادة دراسة تخصص ما في الصيف، لأن عدم فهمهم للتخصص بصورة جيدة يصيبهم بالقلق، لذا فإنهم يعتبرون الإعادة فرصة ثانية لتعلم ما فاتهم.
الأمر أشبه بالشباب الذين يجتمعون في الديوانية للحديث عن كرة القدم، إن عشقهم لكرة القدم يجعلهم يحفظون كميات هائلة من المعلومات دون تعب أو ملل، ويتناقلونها ويرددونها في كل اجتماعاتهم، فتجدهم يعرفون عن كل لاعب اسمه وطوله ووزنه وعمره وبداية شهرته والنوادي التي تنقل بينها وقيمة شراءه في آخر صفقة والأهداف الرائعة التي حققها والكثير الكثير من المعلومات عن الكثير من اللاعبين، ثم الأمر نفسه عن النوادي والمنتخبات والكؤوس والدوريات المختلفة، وأحيانا تتعدى معلوماتهم كرة القدم إلى عدة رياضات أخرى.
إذا كنت مستعدا لجعل الطب جزءا من حياتك، فإن فهم وحفظ مواد الطب سيكون أمرا في غاية السهولة، بل سيكون أمرا في غاية المتعة، ولن تتضايق أبدا إذا ما وجدت بأن الدراسة بدأت تطغى على حياتك كلها، وتأخذ الغالبية العظمى من يومك.
قصص: مأساوية أم مشجعة؟
في فترات معينة من دراستنا للطب، كنا نحضر المحاضرات من الساعة الثامنة صباحا إلى الرابعة عصرا لا نأخذ فيها سوى استراحة واحدة لمدة ساعة، كنا نأكل فيها الخفائف حتى نكون قادرين على الاستمرار في الدراسة، وبمجرد أن تنتهي المحاضرات، كنا نبدأ بالدراسة ضمن مجموعة دراسية من الرابعة عصرا إلى الثالثة فجرا، لنعود إلى منازلنا ننام بضع ساعات، ثم نستيقظ مرة أخرى في السادسة والنصف صباحا لنضمن الوصول إلى الكلية في الثامنة.
وظللنا على هذه الحالة لعدة أشهر، لم نكن ننل قسطا كافيا من النوم إلا ليلتي الخميس والجمعة، حيث كنا نجتمع في الكلية يوم الخميس في وقت متأخر نسبيا، بعد أن نكون قد أخذنا قسطا كافيا من النوم، أما يوم الجمعة فكنا نجتمع بعد الصلاة مباشرة، أما الترفيه الذي كنا نحصل عليه فقد كان محسوبا جيدا، وفيه توفير كبير للوقت، وكنا نقوم به مع بعضنا البعض حتى لا ينتظر أحدنا الآخر، كأن نتوجه جميعا للغداء في مطعم قريب، على سبيل التغيير، بدلا من الطلب.
وفي ليالي احدى الامتحانات، سهرنا ندرس للامتحان إلى أن أذن أذان الفجر، فصلينا الفجر في مسجد الكلية، ثم بدأ موظفوا النظافة بالوصول إلى الكلية معلنين بداية يوم جديد في الكلية، ونحن لا زلنا ندرس منذ اليوم يسبقه دون نوم، ولم نعد إلى منازلنا سوى للنوم بضع ساعات والعودة مرة أخرى للكلية لأداء الامتحان.
إذا كنت ترى في هذا الأمر متعة خاصة كما التي أراها، فإن دراسة الطب ستكون لك، أما إذا لم تكن مستعدا للقيام بذلك، فقد يكون عليك أن تفكر أكثر في خياراتك.
دراسة الطب والخيارات الأخرى
كما قلت سابقا، فإن دراسة الطب تتطلب عشقا للطب، إذا لم يكن هذا العشق موجودا فستكون الدراسة أصعب بكثير، وعدد كبير من الطلبة الذين يقبلون في الكلية يتركونها في سنوات الدراسة الأولى عندما يكتشفون بأن الآمال التي يعقدونها على شهادة الطب لا تستحق بذل كل هذا الجهد في دراسة أمور لا يطيقونها.
إذا كانت الشهرة والسمعة هي ما تبحث عنه، فيمكنك أن تدخل في أي تخصص تحبه وتكون مستعدا لبذل كل وقتك فيه لتكون من الأوائل، ثم تكمل دراستك بالماجستير والدكتوراه، فتحصل على أفضل شهادة في تخصصك في نفس عدد السنوات التي تحتاجها للحصول على أقل شهادة في الطب.
أما إذا كان هدفك هو المال، فعليك بأسهل التخصصات وأقلها تطلبا للوقت وتصرف بقية وقتك في المشاريع التجارية، فهي تستطيع أن تحقق لك عوائدا ممتازة في نصف الوقت الذي تحتاجه للحصول على أقل شهادة في الطب، وعندما يبدأ طالب الطب الذي جد واجتهد لخمسة عشرة سنة على الأقل بجني أولى الثمار المادية لتعبه تكون أنت قد أصبحت مليونيرا، وربما بعت نشاطك التجاري على تاجر كبير وتستمع الآن بتقاعد مبكر جدا.
أما إذا كنت تريد دراسة الطب لمساعدة الناس، فهو دافع إنساني ونبيل، لكنه لن يكون مفيدا إذا لم تكن لديك رغبة وعشق في فهم الطب ودراسته، لأن ذلك يزيد من احتمالات خروجك من الكلية قبل اكمال الدراسة، أو حتى إذا تمكنت من اتمام دراستك فإنك قد لا تخرج من الكلية طبيبا بارعا، فيكون دورك صغيرا جدا في مساعدة الناس، ولربما تكون قادرا على مساعدة الناس أفضل بكثير إذا درست تخصصا تعلم بأنك ستبرع به.
أكبر خطأ يمكن أن تقوم به هو أن تضع الطب كرغبة أولى فقط لأن معدلك يسمح لك بذلك، أما إذا كنت تعشق الطب وتريد أن تكرس حياتك من أجلها، فأهلا وسهلا بك في صفوف دارسي الطب.