3 Jan 2007
يوجد لدى الطلبة المقبلين على الجامعة وحتى في المجتمع الكثير من الخلط بشأن المصطلحات الوظيفية المتعلقة بالطب، مثل ما هو الطبيب، وما هو الأخصائي، وعلاقة ذلك بالمسميات الأكاديمية مثل الماجستير والدكتوراه، والحقيقة هي أن هذا الخلط لم يأت من غير سبب، وحتى أنا لا أعرف كل التفاصيل، لكنني سأشرح كل ما أعرفه.
البكالريوس (بداية الطريق)
في البداية، شهادة الطب، وهي عبارة عن شهادة بكالريوس في الجراحة والباطنية، وهي بداية الطريق لممارسة الطب، الحصول على هذه الشهادة يتطلب عادة ما بين الخمس إلى السبع سنوات من الدراسة، وتدرس في كلية الطب في التخصص الذي يسمى بالعربية الطب البشري، وهي أول خمس إلى سبع سنوات بعد الثانوية.
بعض الكليات يتطلب نظامها الحصول على شهادة بكالريوس أخرى قبل الحصول على هذه الشهادة، النظام القديم في كلية الطب في جامعة الكويت كان عبارة عن سبع سنوات وكان يتضمن الحصول على شهادة بكالريوس في العلوم الطبية الأساسية بعد السنة الرابعة، وبعض الطلبة كان يترك الكلية بعد الحصول على هذه الشهادة ويتوجه مباشرة إلى العمل أو يتوظف في الكلية كمعيد ويسلك المسلك الأكاديمي على شهادة العلوم الطبية لأساسية، في بعض الجامعات الأمريكية والكندية لا يقبل الطالب في كلية الطب إلا بعد أن يكون قد حصل على البكالريوس في تخصص آخر.
لكن الفكرة الأساسية تبقى واحدة، وهي أن الطالب يتخرج في النهاية من كلية الطب ليكون مسماه طبيبا بعد أن يحصل على البكالريوس في الباطنية والجراحة.
التخصصات الأخرى مثل تخصصات الطب المساعد (العلاج الطبيعي، والأشعة، والمختبرات وغيرها) شهاداتها مختلفة، والطالب الذي يتخرج من هذه التخصصات لا يكون مسماه الوظيفي طبيبا ووضعه مختلف تماما.
هنالك أيضا تخصص طب الأسنان، وهو من اسمه يركز فقط على الأسنان، والطبيب الذي يتخرج منه يسمى طبيب أسنان، وهو مقارب بشكل كبير للطب البشري من حيث الراتب والمميزات، وهو التخصص الوحيد المقارب للطب البشري والمستقل في دراسته في نفس الوقت، التخصصات الباقية كلها من باطنية وجراحة وقلب وأعصاب وأطفال، كلها تندرج تحت الطب البشري.
بعد الحصول على شهادة البكالريوس (أي الخمس إلى سبع سنوات التي بعد الثانوية مباشرة)، يتخرج الطالب كطبيب، لكن دون تخصص، فالتخصص في مجال ما يأتي لاحقا بالمزيد من الدراسة والاختبارات، والطالب الذي تخرج بهذا الشكل يسمى ممارس عام، ووضعه غريب نوعا ما من حيث أنه من جانب ليس متخصصا في أي مجال من المجالات، ومن جانب آخر فإنه يستطيع أن يعمل في أي تخصص يريده، أغلب الأطباء لا يستمرون على هذا الوضع بل يدرسون لدرجات متفاوته من التخصص بعد ذلك.
مكان العمل والدرجة الوظيفية
هذه واحدة من أشهر نقاط الخلط، وهي الخلط بين مكان العمل وشهادة التخصص، فالمكان الذي يعمل به الطبيب لا يحدّه إلا قوانين المستشفى بهذا الشأن، فإلى فترة قصيرة مثلا، كانت وزارة الصحة في الكويت تسمح لأي خريج من كلية الطب أن يعمل في أي تخصص يريده، فيمكنك مثلا أن تتخرج من كلية الطب وتعمل في المستوصف القريب من المنزل، أو يمكنك أن تتخرج من كلية الطب وتعمل في قسم جراحة الأعصاب، الأمر راجع إليك وإلى توفر الشواغر وقبول القسم لك، هنالك إشارات لتغيير هذا الوضع في الكويت واجبار الأطباء الذين لم يدرسوا أي شيء بعد البكالريوس على العمل في المستوصفات فقط، لكن الفكرة هي أن هذه جزء من سياسات المستشفى ولا تحدد فقط بشهادة التخصص.
الأمر الآخر بشأن سياسات المستشفى والوزارة هو الدرجة الوظيفية، فالتسلسل الوظيفي في الكويت (وهو نفسه في الكثير من الدول الأخرى) كالتالي: متدرب، مساعد مسجل، مسجل، مسجل (أ)، ثم استشاري، هذه التسميات تعطى من قبل الوزارة، وليست جزءا من شهادات التخصص، بالطبع شهادات التخصص تلعب دورا مهما في تحديد ذلك، لكن هنالك اعتبارات أخرى أيضا مثل الأقدمية والشواغر، والشواغر بدورها يحددها نوع التخصص نفسه، فهنالك تخصصات مشبعة بالدكاترة قد تأخذ فيها الترقيات سنوات طويلة، وهنالك تخصصات ليس عليها اقبال كبير، والتدرج الوظيفي سريع جدا بسبب وجود الكثير من الشواغر.
ما أريد الوصول إليه هنا هو أن ليس كون الشخص يعمل في جهة متخصصة يعني بأنه أفضل من الذي يعمل في مكان عام أكثر، فهنالك استشاريون في طب العائلة يعملون في المستوصفات، أي أنهم على قمة السلم الوظيفي، وفي المقابل هنالك أطباء بدرجة مساعد مسجل يعملون في أكثر الأماكن تخصصا.
كما أنه ليس كل استشاري أفضل من كل مسجل (أ)، فقد يكون شخص ما يعمل كمسجل (أ) لعدة سنوات بسبب عدم وجود شواغر، بينما يترقى شخص آخر أحدث منه إلى استشاري بسرعة بسبب تخصصه الذي به الكثير من الشواغر، كما أن الغالبية العظمى من الأخصائيين الذين يحصلون على شهادة التخصص في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، يكونون يعملون بمسمى استشاري في المستشفيات التي درسوا بها التخصص قبل عودتهم إلى الكويت، لكن بمجرد أن يأتوا إلى الكويت فإن الوزارة توظفهم بسمى مسجل (أ)، فيبدو الأمر وكأنهم عادوا إلى الوراء في مسمياتهم، لكن الحقيقة هي كما قلت أن هذا الأمر يعتمد على الشواغر وليس على الشهادة (ولو أنه فيه ظلم كبير بالطبع ويسبب ضيقا لدى الدكاترة).
المسمى الذي يعتمد على الشهادة هو مسمى "أخصائي"، فإذا كان شخص ما أخصائي في الباطنية فهذا يعني بأنه حاصل على شهادة في الباطنية بعد شهادة الطب العادية، ونفس الشيء أخصائي جراحة أعصاب، أو أخصائي قلب، وهكذا، في مقابل الشخص الذي يكون لقبه مثلا طبيب باطنية، أو جراح أعصاب، بدون كلمة أخصائي، فذلك يعني في الغالب بأنه لم يدرس التخصص لكنه يعمل به، كما أن مسمى أخصائي ليس له علاقة بالوظيفة، فلاحظ بأنني ذكرت الدرجات الوظيفية سابقا ولن تجد بينها درجة اسمها أخصائي.
في النهاية، لاحظ بأن ما قلته لا يعني بأنه عمليا لا توجد أي علاقة بين مسمى الأخصائي والدرجة الوظيفية، فالدرجة الوظيفية تعتمد بشكل كبير على هذا المسمى، فلا يمكن للشخص أن يصبح مسجل (أ) ما لم يكن أخصائيا، لكن هذا الأمر يظل جزءا من سياسة المستشفى وليس جزءا من الشهادة نفسها.
ما بعد البكالريوس (دراسة التخصص)
الآن السؤال الذي يبقى هو كيف تصبح أخصائيا في مجال ما؟
والحقيقة هي أنه لا توجد إجابة واحدة على ذلك، هنالك أكثر من طريقة لتعتبر أخصائيا معترفا بك، وهذه الطرق تختلف من دولة إلى أخرى، في الكويت مثلا، الجهة المسؤولة عن تحديد ذلك هي معهد الكويت للتخصصات الطبية (Kuwait Institute of Medical Specialties أو KIMS)، فهو يقرر الدورات المحلية والشهادات العالمية التي تجعلك أخصائيا في مجال ما، لذا فإن عليك أن تسأل عن الأمر في دولتك، وأنا لا أعرف تفاصيل ذلك حتى في الكويت، لأن هذه الأمور تتغير باستمرار.
لكن بشكل عام، هنالك ثلاثة طرق لإكمال الدراسة بعد البكالريوس.
الطريقة الأولى هي طريقة البورد، وهي عبارة عن دورة تمتد لبضع سنوات (حوالي خمس سنوات) تقوم في نهايتها بتقديم اختبار يدعى اختبار البورد، وفي حالك تعديك للاختبار تحصل على شهادة البورد، في هذا النوع من شهادة التخصص يكون المهم عادة هو سنوات التدريب الخمسة، أما الاختبار فليست عليه الكثير من التركيز وهو يكون تحصيل حاصل في نهاية العمل، وهذه هي الطريقة التي يحصل بها غالبية الدكاترة الجدد على شهادة التخصص، ويحصلون عليها عادة من أكبر مستشفيات كندا أو أمريكا ويحصلون بها على مقدار كبير من الخبرة.
الطريقة الثانية هي طريقة الزمالة أو العضوية في الجمعية الملكية، والزمالة هي عبارة عن اختبار من عدة أجزاء تقدمه، فإذا نجحت به تحصل على الشهادة، وإذا لم تنجح لا تحصل عليها، ولا توجد أية دورات أو دراسة نظامية أو عدد سنوات، فقط اختبار يمكنك أن تقدمه في أي وقت تشاء، أما كيفية الدراسة والتدريب للتمكن من اجتياز الاختبار فهي راجعة إليك، والمشكلة الكبرى في هذا الاختبار أنه صعب جدا وغير مضمون وقد تحاول لسنوات دون أن تنجح به، مقارنة بطريقة البورد التي تضمن بها التخرج بعد خمس سنوات ببرنامج نظامي وتحصل بها على الكثير من الخبرة العملية مقارنة بالخبرة النظرية المطلوبة في اختبار الزمالة.
واختبار الزمالة هذا هو اختبار بريطاني واسمه الكامل هو اختبار عضوية الجمعية الملكية للباطنية (Member of the Royal College of Physicians أو MRCP) أو اختبار عضوية الجمعية الملكية للجراحين (MRCS) وفي السابق كانت تسمى زمالة (Fellowship) بدلا من عضوية (Membership) وكانت المصطلحات هي (FRCP) للباطنية و(FRCS) للجراحة، بالإضافة إلى وجود اختبارات أخرى خاصة للتخصصات الأخرى مثل أمراض النساء والباطنية (MRCOG) وغيرها، وهذه الطريقة كانت الطريقة الأشهر بين الأجيال السابقة للحصول على شهادة التخصص، لذا فإنك تجد مثل هذه الرموز تحت أسماء الغالبية العظمى من الاستشاريين الحاليين في الكويت مثلا.
الطريقة الثالثة هي الطريقة الأكاديمية العادية، وهي أن تلتحق باحدى الجامعات كطالب ماجستير وتكملها وبعد ذلك الدكتوراه، ونوع الماجستير والدكتوراه يعتمد على الجامعة طبعا، وأنا شخصيا لا أعرف أي أخصائي حصل على شهادة الأخصائي بهذه الطريقة، أحد أشهر دكاترة الجامعة في الجراحة في الكويت حصل على الدكتوراه في الجراحة لكن وزارة الصحة لم تعتبره أخصائيا في الجراحة بهذه الشهادة بحجة أنها أكاديمية، فعليك بالحذر من هذا الجانب والسؤال قبل الاستمرار بهذه الطريقة إذا كنت تعتزم العودة للعمل في المجال الإكلينيكي، أما إذا كنت تريد العودة للعمل في المجال الأكاديمي، أي الكلية والتدريس والأبحاث، فهذا هو أفضل خيار لديك.
كيف تستخدم المعلومات السابقة
في الختام، أرجو أن أكون قد ساعدتك في إزالة بعض اللبس الذي كان لديك بشأن هذا الموضوع، المشكلة هي أن هذه الأمور ليست موحدة عالميا وهي تخضع لقوانين كل دولة، وحتى في الدولة الواحدة هذه القوانين قد تتغير من سنة إلى أخرى، لكنني على الأقل استطعت أن أوضح لك الصورة العامة إذا كنت تفكر بدراسة الطب والتخصص بعد ذلك، كما أن هذه المقالة تعتبر قاعدة جيدة للبدء بطرح الأسئلة على الجهات المختصة في بلدك، مع خالص تمنياتي لك بالتوفيق.